مـوت فـراشــة
مـوت فـراشـة
حتى يكون لوجودها أهمية ولو لمرة واحدة.. ما أن أنهت كلماتها الأخيرة.. حتى شرع في الكتابة..
ظلها أنا.. أبداً لا تفارقني إلا حين يتمدد الظلام حولي.. فأتلاشى فيه.. لحظات التحافها بالسواد لتسكن.. فأسكن في العدم.. لم أر إلا هي حين وجدتُ.. منذ خلقتُ منها.. من لحظة انبعاث النور الذي تحجبه عني.. تكونتُ.. لازمتني لكنها أبداً لم تراني.. تنظر تجاه الضوء كلما بدا.. فأعود أنعم برؤيتها..أناجيها بالعشق الفرديّ الأوحد.. أغمرها بفيض مشاعر لا يصل إليها.. فتجيبني رفرفاتها.. تنثر لؤلؤها عن جناحيها في حركتهما الموسيقية.. أتمنى لو أجمع لؤلؤها المنثور وأحتفظ به.. ولكني مأمور بحركتها.. فأكتفي بالاستماع إلى صوت ارتطام ذراته المحبب بالأرض في حسرة.. أعلم أنني لم أوجد إلا بها.. أتنسم عبيرها وهي غادية.. أتنفس نسمات رفرفاتها كأنها آخر أنفاسي وهي رائحة.. أحيانا تبتعد فأتمدد حتى أكاد أملأ الكون.. وأحيانا تقترب فأتضاءل حتى لا أكاد أبين تحتها.. أتكسّر تارة على الموجودات كأنني لن تلملم أجزائي ثانية.. وتارة أنتظم في نفس شكلها البديع وكأنني أنافسها..خطر لي ذات مرة أن أنفصل عنها.. أن أعتصم بذاتي فيتكون لي شخصي المستقل، علها حينئذ تنظر إليّ.. ولكن شيئاً ما في هذا الأسر يمتعني.. لعلها أسكرتني برائحة العطر الذي تعبه ليل نهار.. أو أسرتني بمذاق الخمر في ألوانها التي تغشاني بمرور الضوء عبر جناحيها.. فأنغمس في هواها أكثر.. وأشعر بتكوني يكتمل.. باكتمال بهاءها..تنعدم الأضواء الآن.. فأختفي.. وتسكن هي على الحائط.. تحتضن انعدامي.. يطول الظلام هذه المرة.. في ميتتي الصغرى.. أحلم بها كعادتي.. ولكنه حلم مخيف... سيف حاد يهبط من أعلى.. ببطء.. ببطء.. بيني وبينها.. نصله لامع كضحكة شريرة.. يهوىىىىى.. فيقطع مسافة الروح الفاصلة بيني وبينها.. أتألم لمشهد خطوط الضوء النازفة.. تقطعت..أصحو من غفوتي فزعاً.. فأراها.. يتأهب جناحاها للحركة بعد سكون.. الشمعة التي أحيتني بعد ممات يغمر ضوء لهبها المرتجف المكان بلون ناري صاخب.. أجفف عرقي.. أناديها: فراشتي! ..منبهرة باللهب المتراقص تتركني وقد فقدت حاسة السمع.. تمضي تستكشفه في لهفة تسارع بها تجاهه..وكلما ابتعدت كلما تعاظم حجمي.. وتموهت حدودي.. حتى أملأ الحائط.. ويزداد ضعفي في المناداة عليها.. ضعف الطالب والمطلوب.. تدور حول اللهب الذهبي.. تلتمع تفاصيلها أكثر.. تتوهج.. تدعوها رقصته المبهرة لمشاركته الرقص.. ولو برقصتها الأخيرة..أعذرها؟ ربما لو تبادلنا الأدوار لفعلت مثلها.. ربما أنا بالفعل قد احترقت فيها من قبل.. وكون رمادي ظلها.. تنجذب إلى التماعة الضوء الأخيرة.. تنطفئ.. تسيل روحها على فتيل الشمعة.. أختفي.. بينما يسود الظلام المكان.. تقديساً لروحي الصاعدة..