تلفاز الجيران متضخم الصوت لدرجة أن هناك ( واحد في أسوان لسه مسمعش !! ) ، تصلك ضحكات عائلية تجبرك على الإبتسام ، بعدما ألقى الفنان الجميل ( سعيد صالح ) جملته هذه في وجه جمهوره في مسرحيته الأكثر من رائعة ( العيال كبرت ) ..
أسمعها – عند التوجه لمقر عملي - من أم تنادي طفلها ( رمضان ) ، و ( رمضان ) مثله مثل بقية أقرانه ( لا يسمع الكلام ! ) ، ويلعب في الشارع دون خوف من سيارة شاردة أو عابر طريق غامض ، ( رمضان ) بالتالي لا يميزه شئ سوى اسمه الذي هو في الأصل اسم شهر غالٍ جداً على نفوسنا ..
أسمعها عالية من صاحب مقهى يقولها بغيظ ..
( رمضان = خسارة ) – وبالنسبة له - هي معادلة صحيحة تماماً ، فالمقهى يُغلق أبوابه بطبيعة الحال قبل آذان المغرب ، أي نعم يُفتح أبوابه بعد الفطار ، لكن الناس تقضي معظم أوقاتها داخل التلفاز ! .. أقصد داخل منازلهم ، حيث كل شئ متاح ، فما حاجتهم للقهوة – بلغة المصريين - إذن ؟!! ..
بإرتياح هذه المرة – على عكس صاحب المقهى – يُردد صاحب محل ( الفوانيس ) هذه الجملة ، الأرباح سترتفع بالتأكيد ، خاصةً مع استبدال الفانوس المصري بآخر صيني !!! ..
تصلني مخنوقة من تلميذ محشور داخل عربة السردين المسماة بعربة المترو ، أعتقد أن الشعور الذي يشعر به هذا التلميذ ضئيل الحجم الآن هو نفس الشعور الذي شعرت به ( عُقلة الأصبع ) عندما أخذت تنظر لكل ما حولها من مناظر طبيعية ، هو يرى مناظر طبيعية أيضاً تتمثل في أجسادنا كبيرة الحجم بالنسبة له !! ..
لا أسمعها هذه المرة ، لكني أشعر بها تماماً خلال ( الشات ) الذي يدور بيني وبين صديق لي يعمل بإحدى المحطات التلفزيونية في دولة من الدول العربية ..
( رمضان = تلفاز ) معادلة مختلفة هذه المرة عن معادلة صاحب المقهى بالنسبة لصديقي الإعلامي .. ألم يكن معي حق عندما أقول أن الناس تقضي معظم أوقاتها في رمضان داخل التلفاز الآن ؟!! ..
صديق آخر ، قبطي هذه المرة ، عزيز جداً على نفسي ، قال ما يُشبه هذه الجملة أثناء ( الدردشة ) التي دارت بيننا ، فهو يحسدنا – وهو ما اعترف به صراحةً – لوجود مثل هذا الشهر لدينا ، بالطبع لم أقف مكتوف الأيدي ، بل رددت عليه بأنني أحسدهم لوجود عيد مثل ( شم النسيم ) لديهم ، يحتفل به جموع المصريين ، مسلمين وأقباط ..
مسلمي العالم أجمع يرددون هذه الجملة ، بمختلف اللهجات واللغات ، مع قرب حلول شهر رمضان المُعظم ، يقولونها بشكل مختلف تماماً عن ( سعيد صالح ) ، إنه الإشتياق لشهر واحد فقط من العام ..
أقف في شرفة شقتي ، المُطلة على شارع هادئ ، وهادئ هذه جديدة تماماً على الشارع الذي لا يشهد مثل هذا الهدوء إلا في شهر رمضان المبارك ، أنتظر صوت مدفع الإفطار – في أول أيام هذا الشهر الكريم – وهو يختلط مع صوت آذان المغرب أن ( حي على الصلاة .. حي على الفلاح ) ، وأتنهد ، وأتشمم الهواء الذي له مذاق خاص ، جديد هذه المرة ، ها هو أول يوم في هذا الشهر الكريم .. ليته لا ينتهي .. ليته يدوم ..