عندما بدأت ثورة الجراكن، في محافظة كفر الشيخ، اتهم اللواء صلاح سلامة مافيا الأراضي بأنها هي التي تحرك هؤلاء.. وهدأت الثورة عندما تدخل رئيس الجمهورية وأمر بتخصيص مبلغ ١٠٠٠ مليون جنيه فورا لإنهاء مشاكل المناطق المحرومة تماما من المياه.. لكن لم يتم إلقاء القبض علي هذه المافيا التي تسببت في هذه الثورة حتي اليوم.
وعندما ظهرت شائعة مرض الرئيس مبارك، قال الرئيس في تصريحات صحفية إنه يعلم مصدر الشائعة ويعلم مروجيها، وتوقفت الشائعة.. وقدم الزميل إبراهيم عيسي رئيس تحرير جريدة «الدستور» كبش فداء لها، لكننا لم نعرف حتي الآن من هي الجهة أو الأشخاص الذين روجوا الشائعة.. لماذا لم يقدموا إلي العدالة حتي اليوم؟ ثم ما علاقة إبراهيم عيسي بهؤلاء المروجين؟
وأخيرا تجددت إضرابات عمال غزل المحلة، ورفعت نفس المطالب والحقوق وهي حصولهم علي نسبة من الأرباح، نتيجة نجاحهم في زيادة الإنتاج، وفي تحقيق أرباح للشركة، ربما لأول مرة في تاريخها منذ عشرين عاما.. لكن خرجت علينا وزيرة القوي العاملة عائشة عبدالهادي بنفس الأسطوانة المشروخة بأن القاعدة العمالية بألف خير، وأن مطالب العمال عادلة ومشروعة، وتتم دراستها حاليا، وأن المشكلة فقط في العناصر من خارج الشركة التي اندست بينهم، وحرضت العمال علي الإضراب والتظاهر.
ولم يقل المحافظ صلاح سلامة، ولا الوزيرة عائشة عبدالهادي، ولا الرئيس حسني مبارك ذلك من فراغ.. إنها تقارير أجهزة الأمن.. لكننا حتي اليوم لم نعرف أسماء مافيا الأراضي التي كانت وراء ثورة الجراكن في كفر الشيخ، والتي امتدت إلي العديد من المحافظات، ولم نعرف كذلك أسماء مروجي شائعة مرض الرئيس، ولماذا لم يقدموا إلي العدالة؟ ولم نعرف أيضا ما العناصر المشبوهة التي حرضت عمال غزل المحلة علي الإضراب؟
التفكير الرسمي للدولة، وأجهزتها، يبحث عن شماعة يعلق عليها فشل حكومات الحزب الوطني في مواجهة المشكلات والأزمات، والشماعة جاهزة وهي العناصر المشبوهة، أو تيارات سياسية هي التي تفجر الأزمات.. ويتجاهل هذا التفكير أن المشاكل هي حقيقة واقعة وليست مزيفة أو من نسج الخيال.. وأن ملايين المصريين لم يحصلوا حتي اليوم علي مياه شرب نظيفة، وأن عمال غزل المحلة ليسوا في حاجة إلي من يحرضهم علي الإضراب والتظاهر، وأن لهم حقوقا لم يحصلوا عليها، وتعودوا أن يحصلوا عليها من خلال وسيلة الإضراب، الذي أصبح حقا مشروعا لهم.
الدولة تواجه المشكلات عندما تتحول إلي أزمة، ولا تبادر إلي حلها قبل أن تتفاقم وتتفجر، وتقدم حلولا مؤقتة لها، بدليل أن الإضرابات تتكرر والمشاكل تتجدد، مما يعني أن القنوات الشرعية تعاني انسدادا بداخلها، وإلا كانت المشاكل تجد طريقها إلي الحل.
نريد من الدولة أن تكشف لنا عن أسماء مروجي شائعة مرض الرئيس، والمحرضين لعمال غزل المحلة علي الإضراب، والقوي السياسية التي تساندهم.. ولا تكتفي فقط بإلقاء التهم وتنسبها إلي مجهول، تدعي أنها تعرفه، بينما الرأي العام يجهله.. وأحيانا تخطئ حكومات الحزب الوطني، بل غالبا، والصحفيون هم الذين يدفعون الثمن عندما ينحازون إلي الشعب.. وأخشي أن تنسب الحكومة إضرابات العمال في النهاية إلي إحدي الصحف، وتقدم بعض الصحفيين إلي المحاكمة بتهمة إثارة البلبلة والتحريض علي التظاهر والإضرار بالاقتصاد القومي.. وهي تهم كفيلة بإيداع الصحفي في السجن عشر سنوات.